تشير دراسة حديثة من دويتشه بنك إلى أن الأسواق المالية، على الرغم من التقلبات الأخيرة، لم تُسعّر بعدُ مخاطر الركود الاقتصادي بشكل كامل، مقارنة بما شهدته الأسواق خلال الفترات الاقتصادية الصعبة السابقة. هذا الوضع يحمل في طياته تحذيرًا خطيرًا: إذا ما وقع الركود بالفعل، فقد تواجه الأسواق هبوطًا حادًا.
وفقًا لهنري ألين، استراتيجي دويتشه بنك، يتردد المستثمرون في تسعير احتمالية الركود الاقتصادي بشكل كامل بسبب غياب الأدلة القوية التي تؤكد اقترابه. في تقرير نُشر يوم الأربعاء، أشار ألين إلى أن الأسواق شهدت انخفاضات حادة منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق في 2 أبريل، حيث سجلت الأسواق واحدة من أسرع التراجعات منذ الحرب العالمية الثانية. كما تراجعت أسعار النفط، وارتفعت العائدات المطلوبة على سندات الشركات بعد ما يُعرف بـ"يوم التحرير".
لكن، على الرغم من هذه التطورات، يرى ألين أن الأسواق لا تزال بعيدة عن الإقرار بإمكانية الركود. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى تأخير تطبيق التعريفات الجمركية لمدة 90 يومًا، مما قلل من حدة الذعر. فالأسواق، كما يوضح، لا تعتقد أن الركود أمرٌ حتمي، حيث كانت التراجعات في أسعار الأسهم وتوسع فروق الائتمان وانخفاض أسعار النفط أقل حدة مما شهدته فترات الركود السابقة.
في الولايات المتحدة، سجل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 انخفاضًا بنسبة 12.5% منذ ذروته في 19 فبراير حتى يوم الأربعاء، مع ارتفاع طفيف بنسبة 1.7% في ذلك اليوم. ومع ذلك، يشير ألين إلى أن الانخفاض الشهري البالغ 4.2% لا يزال بعيدًا عن مستويات الانخفاضات التي رافقت الركود الاقتصادي في السنوات الماضية. فعلى سبيل المثال، بلغ الحد الأقصى لانخفاض المؤشر منذ "يوم التحرير" 18.9%، وهو أقل بكثير من الانخفاضات التي تجاوزت 19.9% في الركود السابق، وحتى 56.8% خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008. حتى في عام 2022، عندما كانت هناك مخاوف من ركود لم يتحقق، انخفض المؤشر بأكثر من 25%.
في سوق السندات، لم تصل فروق الائتمان – أي العائد الإضافي الذي يطلبه المستثمرون للاحتفاظ بسندات الشركات مقارنة بالسندات الحكومية – إلى مستويات تشير إلى ضغوط مشابهة لتلك التي شوهدت في الركود السابق. ففي الوقت الحالي، تبلغ فروق الائتمان على السندات عالية المخاطر 397 نقطة أساس، وهي أقل من مستويات سنوات لم تشهد ركودًا مثل 583 نقطة في 2022، أو 839 نقطة في 2016، أو 876 نقطة في 2011. أما في الركود الحقيقي، فقد قفزت الفروق إلى 1100 نقطة أساس خلال جائحة كورونا، ووصلت إلى 1971 نقطة أساس في الأزمة المالية العالمية.
أما بالنسبة لأسعار النفط، فإن الوضع أكثر تعقيدًا، إذ قد تكون أسعار النفط المرتفعة أحيانًا سببًا للركود. لكن ألين يركز على الانخفاضات التي تعكس تباطؤ الاقتصاد، مشيرًا إلى أن سعر خام برنت انخفض بنسبة 10% فقط منذ "يوم التحرير". هذا الانخفاض ضئيل مقارنة بالهبوط الحاد بنسبة ثلثي السعر خلال جائحة كورونا أو الأزمة المالية العالمية. ويوضح أن الانخفاض المعتدل في أسعار النفط يعكس توقعات المستثمرين بأن الاقتصاد العالمي لن يشهد تباطؤًا كبيرًا في الوقت الحالي.
من بين المؤشرات الأكثر إثارة للقلق هو منحنى العائد، وبالأخص الفارق بين سندات الخزانة الأمريكية لأجل سنتين وعشر سنوات، والذي غالبًا ما يشتد قبل الركود الاقتصادي. ومع ذلك، يلاحظ ألين أن هذا الانحدار بدأ يظهر منذ منتصف عام 2023، مع تزايد التفاؤل بإمكانية تحقيق "هبوط ناعم" للاقتصاد. ويرجع جزء من هذا الانحدار إلى ارتفاع العوائد طويلة الأجل، مما يعكس تراجع ثقة المستثمرين في السندات الحكومية كملاذ آمن.
يحذر ألين من أن الأسواق قد تواجه "مخاطر هبوط كبيرة" إذا تحقق الركود، حيث إن الأصول الرئيسية لم تُظهر بعدُ الإشارات التي تتماشى مع الركود السابق. ويشدد على أن البيانات الاقتصادية القادمة، مثل تقرير الوظائف غير الزراعية، ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان الاقتصاد يتجه نحو الركود، خاصة أن البيانات الاستقصائية الأخيرة لم تكن موثوقة بما فيه الكفاية.
في النهاية، يبدو أن الأسواق المالية لم تستعد بعدُ لسيناريو الركود الاقتصادي، مما يجعلها عرضة لصدمات كبيرة إذا ما تحولت التوقعات إلى حقيقة. التاريخ، كما يؤكد ألين، يُظهر أن الأصول الخطرة قد تشهد انخفاضات حادة إذا ما دخلنا في دوامة الركود.
عند النظر في الأسهم والمؤشرات والفوركس (العملات الأجنبية) والسلع للتداول والتنبؤ بالأسعار، تذكر أن تداول العقود مقابل الفروقات ينطوي على مخاطر كبيرة وقد يؤدي إلى خسارة رأس المال.
الأداء السابق لا يشير إلى أي نتائج مستقبلية. هذه المعلومات مقدمة لأغراض إعلامية فقط ولا يجب اعتبارها نصيحة استثمارية.