خلال الأسبوعين الماضيين، شهدت الأسواق المالية العالمية موجة من التقلبات العنيفة التي أثارت قلق المستثمرين في وول ستريت وخارجها. فقد هوت الأسهم الأمريكية بشكل حاد، لتعاود الارتداد بسرعة غير متوقعة، فيما شهدت عوائد السندات تذبذبات حادة، حيث تراجعت أولاً ثم قفزت بقوة. وسط هذا الاضطراب، يبحث المستثمرون عن إشارات تحذيرية قد تكشف عن مسار الأسواق المستقبلي، وما إذا كانت هذه التقلبات بدأت تؤثر على الاقتصاد الحقيقي.
في هذا السياق، نستعرض خمس إشارات خطيرة تشير إلى تصاعد التوتر في الأسواق المالية:
تُعتبر عوائد سندات الخزانة الأمريكية، التي تُعرف بـ"المعدل الخالي من المخاطر"، مؤشرًا أساسيًا لثقة المستثمرين. في أوقات الأزمات، يتدفق المستثمرون عادةً نحو هذه السندات كملاذ آمن، مما يخفض عوائدها. لكن الوضع اليوم مختلف تمامًا. فقد أدت المخاوف من التضخم، واحتمالات التباطؤ الاقتصادي المصحوب بالتضخم، إلى جانب تصفية مراكز المخاطرة، إلى ارتفاع هذه العوائد بشكل ملحوظ. أصبحت الملاذات الآمنة نادرة، ولم يعد للأموال مكان واضح للجوء إليه.
يتزايد قلق المستثمرين بشأن السندات عالية المخاطر (المعروفة باسم السندات الرديئة)، حيث يسارعون لشراء أدوات حماية لهذه الأصول. وفقًا لبيانات بورصة شيكاغو للخيارات، سجل صندوق iShares iBoxx USD High Yield Corporate Bond ETF، وهو مؤشر رئيسي للسندات عالية المخاطر، ارتفاعًا غير مسبوق في حجم تداول خيارات البيع، وهي أداة يستخدمها المستثمرون للتحوط ضد انخفاض الأسعار.
يقول بن إنكر، مدير المحافظ في مؤسسة GMO في بوسطن: "هذا النوع من عدم اليقين يجعل الشركات عاجزة عن اتخاذ قرارات عقلانية، وهذا هو الجزء الأكثر خطورة في الاقتصاد حاليًا". ويضيف أن مخاطر الإفلاس تتزايد بين الشركات الأمريكية.
تشير بعض المؤشرات إلى أن سوق السندات عالية المخاطر على وشك الوصول إلى مرحلة "الاستسلام"، وهي النقطة التي يؤدي فيها انخفاض الأسعار إلى موجة بيع مذعورة، مما يخلق حلقة مفرغة يصعب الخروج منها. فقد قفز مؤشر "الاستسلام" للسندات عالية المخاطر التابع لبنك باركليز بنسبة 34% منذ نهاية مارس، ليصل إلى 91%، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2023، عندما تسببت مخاوف التضخم في ارتفاع عوائد السندات الأمريكية.
إذا وصل هذا المؤشر إلى 100%، فسيكون ذلك إشارة إلى انهيار شامل للسوق. منذ بداية القرن الحالي، لم يحدث هذا إلا في خمس مناسبات: الأزمة المالية 2008-2009، أزمة الديون الأوروبية 2011، انهيار أسعار النفط 2016، بداية جائحة كورونا 2020، وارتفاع أسعار الفائدة 2022.
على مدى السنوات القليلة الماضية، كان المستثمرون يفضلون الاستثمار في صناديق قروض الشركات ذات الفائدة المتغيرة، خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة. لكن هذا الاتجاه بدأ ينعكس الآن، حيث تشهد هذه الصناديق نزوحًا كبيرًا لرؤوس الأموال. ووفقًا لبحث أجرته مؤسسة جيه بي مورجان، سُجل في الرابع من أبريل تدفق خارجي بقيمة 1.3 مليار دولار من هذه الصناديق في يوم واحد، وهو أكبر تدفق خارجي يومي في التاريخ.
كما انخفضت قيمة صندوق قروض ذو رافعة مالية تديره شركة Invesco بنحو 1% هذا الشهر. والأكثر إثارة للقلق هو تراجع صناديق السندات المدعومة بقروض (CLO) التي تديرها مؤسستان هما Janus Henderson وEldridge Capital Management بنسبة تصل إلى 3%.
حتى قبل إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب عن خطته لفرض رسوم جمركية شاملة في الثاني من أبريل، كانت أسواق العقود الآجلة تعاني من توتر ملحوظ. تشير بيانات شركة Quantitative Brokers إلى تراجع حاد في السيولة في عقود سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات وعقود E-mini S&P 500 الآجلة في بورصة CME.
يقول روبرت ألمغرين، كبير العلماء في الشركة: "هذا الوضع نادر للغاية. آخر مرة شهدنا فيها أزمة سيولة بهذا الحجم كانت في بداية جائحة كورونا عام 2020".
يُعتبر هذا التراجع في السيولة مؤشرًا مقلقًا قد ينذر بمزيد من الاضطرابات. تُستخدم العقود الآجلة ليس فقط للمضاربة، بل أيضًا للتحوط ضد المخاطر المنهجية. لكن عندما يتوقف صانعو السوق عن تقديم العروض في أوقات التقلبات العالية، تصبح بنية السوق هشة، وقد لا تتحمل صدمة جديدة.
تشير هذه الإشارات إلى أن الأسواق المالية تمر بلحظة حرجة. سواء كانت هذه التقلبات مجرد تصحيح مؤقت أم بداية أزمة أعمق، فإن مراقبة هذه المؤشرات ستبقى ضرورية لفهم الاتجاهات المستقبلية. يبقى السؤال: هل سيتمكن المستثمرون من استعادة الثقة، أم أننا على أعتاب موجة جديدة من عدم اليقين؟
عند النظر في الأسهم والمؤشرات والفوركس (العملات الأجنبية) والسلع للتداول والتنبؤ بالأسعار، تذكر أن تداول العقود مقابل الفروقات ينطوي على مخاطر كبيرة وقد يؤدي إلى خسارة رأس المال.
الأداء السابق لا يشير إلى أي نتائج مستقبلية. هذه المعلومات مقدمة لأغراض إعلامية فقط ولا يجب اعتبارها نصيحة استثمارية.